responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 143
الْقِتَالَ، وَأَوْجَبَتْ عَلَيْهِ تَبْلِيغَ الْمُؤْمِنِينَ الْأَمْرَ بِالْقِتَالِ وَتَحْرِيضَهُمْ عَلَيْهِ، فَعَبَّرَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ [النِّسَاء: 84] وَهَذَا الْأُسْلُوبُ طَرِيقٌ مِنْ طُرُقِ الْحَثِّ وَالتَّحْرِيضِ لِغَيْرِ الْمُخَاطَبِ، لِأَنَّهُ إِيجَابُ الْقِتَالِ عَلَى الرَّسُولِ، وَقَدْ عُلِمَ إِيجَابُهُ عَلَى جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ: فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ [النِّسَاء: 74] فَهُوَ أَمْرٌ لِلْقُدْوَةِ بِمَا يَجِبُ اقْتِدَاءُ النَّاسِ بِهِ فِيهِ. وَبَيَّنَ لَهُمْ عِلَّةَ الْأَمْرِ وَهِيَ رَجَاءُ كَفِّ بَأْسِ الْمُشْرِكِينَ، فَ (عَسَى) هُنَا مُسْتَعَارَةٌ لِلْوَعْدِ. وَالْمُرَادُ بِهِمْ هُنَا كُفَّارُ مَكَّةَ، فَالْآيَاتُ تَهْيِئَةٌ لِفَتْحِ مَكَّةَ.
وَجُمْلَةُ وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا تَذْيِيلٌ لِتَحْقِيقِ الرَّجَاءِ أَوِ الْوَعْدِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا إِذَا شَاءَ إِظْهَارَ ذَلِكَ، وَمِنْ دَلَائِلِ الْمَشِيئَةِ امْتِثَالُ أَوَامِرِهِ الَّتِي مِنْهَا الِاسْتِعْدَادُ وَتَرَقُّبُ الْمُسَبِّبَاتِ مِنْ أَسْبَابِهَا.
وَالتَّنْكِيلُ عِقَابٌ يَرْتَدِعُ بِهِ رَائِيهِ فَضْلًا عَنِ الَّذِي عُوقِبَ بِهِ.
[85]

[سُورَة النِّسَاء (4) : آيَة 85]
مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً (85)
اسْتِئْنَافٌ فِيهِ مَعْنَى التَّذْيِيلِ وَالتَّعْلِيلِ لِقَوْلِهِ: لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ [النِّسَاء: 84] وَهُوَ بِشَارَةٌ لِلرَّسُولِ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- بِأَنَّ جِهَادَ الْمُجَاهِدِينَ بِدَعْوَتِهِ يَنَالُهُ مِنْهُ نَصِيبٌ عَظِيمٌ مِنَ الْأَجْرِ، فَإِنَّ تَحْرِيضَهُ إِيَّاهُمْ وَسَاطَةٌ بِهِمْ فِي خَيْرَاتٍ عَظِيمَةٍ، فَجَاءَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بِهَذَا الْحُكْمِ الْعَامِّ عَلَى عَادَةِ الْقُرْآنِ فِي انْتِهَازِ فُرَصِ الْإِرْشَادِ. وَيُعْلَمُ مِنْ عُمُومِهَا أَنَّ التَّحْرِيضَ عَلَى الْقِتَالِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنَ الشَّفَاعَةِ الْحَسَنَةِ، وَأَنَّ سَعْيَ الْمُثَبِّطِينَ لِلنَّاسِ مِنْ قَبِيلِ الشَّفَاعَةِ السَّيِّئَةِ، فَجَاءَتْ هَذِهِ الْآيَةُ إِيذَانًا لِلْفَرِيقَيْنِ بِحَالَتِهِمَا. وَالْمَقْصُودُ مَعَ ذَلِكَ التَّرْغِيبُ فِي التَّوَسُّطِ فِي الْخَيْرِ وَالتَّرْهِيبُ مِنْ ضِدِّهِ.
وَالشَّفَاعَةُ: الْوَسَاطَةُ فِي إِيصَالِ خَيْرٍ أَوْ دَفْعِ شَرٍّ، سَوَاءٌ كَانَتْ بِطَلَبٍ مِنَ الْمُنْتَفِعِ أَمْ لَا، وَتَقَدَّمَتْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [48] ،
وَفِي الْحَدِيثِ «اشْفَعُوا

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 143
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست